بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته !!
~ لحياة الدّنيا .. سراب خادع !!
’’ واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماءٍ أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح، وكان الله على كل شيء مقتدرا ” (الكهف: 45).
تسقط الامطار فينمو الزرع وتخضر الأرض وتمتلئ بالحياة، وتتعدد ألوان الاوراق والازهار لفترة قصيرة، تموت بعدها كل تلك النباتات وتجف اوراقها وسيقانها وتتحطم وتصبح هشيما لا قيمة له ولا وزن ولا ارتباط بالأرض، فتأتي الرياح لتذروه في الهواء بعيدا تاركة الأرض جرداء خاوية على عروشها لا حياة فيها ولا أثر للحياة، بعد ان كانت عامرة مزدهرة تسر الناظرين.
نهاية حتمية
هكذا الحياة الدنيا، متاع قليل، وزينة فانية لا بقاء لها، ونبات الى فناء، وازدهار خادع لا استمرار له، وهذا هو مثلها الذي ضربه لنا الحق تبارك وتعالى في القرآن الكريم في أكثر من موضع، كما جاء في سورة الكهف في الآية المذكورة آنفا، وكما جاء في سورة يونس “ إنمّا مثل الحياة الدنيا كماءٍ انزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس، كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون ” (يونس:24).
فهل يتفكر الناس ويتدبرون هذا المثل المعبر ابلغ التعبير والذي يعاصرونه طوال حياتهم، حيث لا يبقى شيء ولا أحد على حال، ولكل بداية في الحياة الدنيا نهاية حتمية يحددها المولى عز وجل.
وتطالعنا الآية “21” من سورة الزمر بصورة أخرى قريبة من مدلولها ومعانيها حيث تقول الآية الكريمة “ ألَمْ تَرَ أن الله انزل من السماء ماءً فسلكه ينابيع في الأرض ثمّ يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثمّ يجعله حطاما ان في ذلك لذكرى لأولي الألباب ” .
هكذا خلق الله سبحانه الدنيا وجعلها مرحلة قصيرة من مراحل الوجود الانساني الذي بدأ بالتراب والماء وسينتهي بالخلود، إما في جنة وإما في نار .. وكل شيء هالك إلا وجه الله، وكل مخلوق له نهاية مهما طال عمره أو قصر، فالإنسان له عمر محدود لا يتعداه.. عشرات من السنين يأتيه بعدها الموت وقد يأتيه في أي مرحلة من مراحل عمره، في أي يوم أو في أي لحظة من حياته بأمر الله من دون سابق انذار، والجنس البشري كله له عمر على الأرض يفنى بعده بقيام الساعة، والأرض والشمس والقمر والكواب والنجوم كل منها له عمر وأجل محدود وإن امتد ملايين السنين، بل ان الكون كله له نهاية كما كانت له بداية ينتهي بعدها ولا يبقى منه شيء “ كل شيء هالك إلا وجهه ” (القصص: 88) ويقول سبحانه وتعالى “ يَوْمَ نطوي السماء كطي السجل للكتب، كما بدأنا أول خلق نعيده، وَعْداً علينا، إنا كنا فاعلين” (الانبياء: 104).
والحياة الدنيا لا بقاء لها ولو تفكر الانسان قليلا وتدبر ما يحدث أمام عينيه كما تبين الأمثال السابقة، لتعامل مع الدنيا على هذا الأساس ولنزعها من قلبه وجعلها طريقا لصلاح الآخرة ولم يجعلها غاية همه ولا نهاية طموحاته التي ستزول حتما بزوال الدنيا أو بزوال اعراضها أو بزواله هو نفسه من الدنيا.
دار التحديات
ورغم قصر الحياة الدنيا ومحدوديتها إلا أنها أهم مراحل الوجود الانساني، فهي دار التحديات، ودار العمل بلا حساب. اعمل أو لا تعمل فهذا هو منهج الله في الأرض وصراطه المستقيم.
لك الحرية وعليك الاختيار والعمل. آمن اذا شئت واكفر اذا شئت.
لا إكراه في الدين، ولكن اعلم جيدا ان كل ما تقوله وما تعمله مكتوب، ومسجل ومستنسخ وستراه يوم البعث أمام عينيك لتحاسب عليه بالحق والعدل، لقوله سبحانه وتعالى: “ اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ” (غافر: 17).
والدنيا مع ذلك، دار متاع ولهو ولعب وتكاثر بين الناس وتفاضل واستعلاء واستكبار وزينة.. دار شهوات وغرائز وفتن وتحديات لا تنتهي إلا بالموت.
وهي بعد ذلك لا تساوي عند الله جناح بعوضة ولا قيمة لها، وكما قيل فإن الله لم يجعل الدنيا ثوابا لمؤمن ولم يجعلها عقابا لكافر وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن الدنيا لو كانت تساوي عند الله جناح بعوضه لما رزق الكافر فيها شربه ماء.
وستنتهي الدنيا كما بدأت، وسيموت كل إنسان حتما “ إنك ميت وانهم ميتون ”،
لا استثناء من الموت لنبي مرسل أو لغيره من البشر، حتى لو عاش ألف سنة كما عاش نوح عليه السلام ثم مات.
فمن تنبه الى حقيقة الدنيا نزعها من قلبه، وعاش فيها ولم يجعلها تعيش فيه، ولما اغتر بها وجعلها شغله الشاغل، ولأخذ منها وأعطاها ما أمره الله به وجاءت به الرسل الكرام، حتى تكون له طريقا الى السعادة والخلود الأبدي في الجنة إن شاء الله.
لعب ولهو
وباستعراض آيات الكتاب الكريم التي تضرب لنا الأمثال للدنيا وتبين لنا حقيقتها، وبعد ما تعرضنا له من شرح سندرك حقيقة الدنيا وما فيها وبعض سننها التي اودعها فيها الخالق سبحانه وتعالى،
ففي سورة الانعام “ وما الحياة الدنيا إلا لعبٌ ولهوٌ، وللدار الآخرة خير للذين يتقون، أفلا تعقلون ” (آية 32) ، وفي سورة العنكبوت “ وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب، وإنّ الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ” (آية 64).
واستكمالا للمعنى وبيان فضل الآخرة “ قُلْ متاع الدنيا قليلٌ، والآخرة خير لمن اتقى، ولا تظلمون فتيلا ” (النساء:77) ، وفي سورة الجمعة “ واذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا اليها وتركوك قائما. قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين ” (آية 11).
وانظر وتدبر تلك الآية في سورة الحديد “ اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل غيث اعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان. وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور” (آية 20)
فهذا متاع الدنيا الزائل وصوره الزائفة، وهذا مقابله في الآخرة حيث يبدأ الحق تبارك وتعالى بذكر العذاب الشديد تنبيها للعقول الغافلة والقلوب النائمة المغلقة.
كما تقرر الآية الكريمة في سورة آل عمران “ زيّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ” (آية 14)
كلها متاع يزول، يغرّ ويلهي، ولكن لو تفكر الانسان في المآب والمآل لآثر ما عند الله من الخير الدائم ولكان من الفائزين.
الباقيات الصالحات
وتتوالى الآيات لتأكيد تلك المعاني في القلوب وحث الناس على طلب الآخرة، ففي سورة الاعراف “ الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا، فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون ” (آية 51)
ويأتي العرض لمتاع الدنيا بصورة مختلفة وتفصيل آخر في سورة التوبة في قوله تعالى: “ قل إن كان آباؤكم وابناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربّصوا حتى يأتي الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين ” (الآية 24)..
وقد قال عليه الصلاة والسلام: “ لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ور سوله أحبّ إليه مما سواهما”
من أهله وولده ونفسه وماله وأي شيء.
وقد وعى السلف الصالح تلك المعاني وعرفوا حقيقة الدنيا فعزفوا عن متاعها ولهوها، وآثروا الباقيات الصالحات من الاقوال والأعمال.
يقول الحسن البصري رحمه الله: لو كانت الدنيا ذهباً يفنى والآخرة خزفا يبقى، لآثرنا الخزف الذي يبقى على الذهب الذي يفنى، فما بالنا آثرنا خزفا يفنى “ يعني الدنيا ” على ذهب يبقى “ يعني الآخرة ”.
وتتوالى آيات الذكر الحكيم باستعراض مقارنات ما بين الحياة الدنيا، وما بين ما في الآخرة من نعيم لمن يشاء ويعمل له، ففي سورة الاسراء “ من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً ” (آية 19).
وفي سورة هود “ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نُوَفّ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يُبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون”
فالله سبحانه الرزاق لا يمنع الرزق عن أحد سواء كان مؤمناً أو كافراً بل يرزق الجميع وقد يقدر على المؤمن، ويوسع على غير المؤمن ابتلاء وفتنة.
الضلال الحقيقي
و في سورة ابراهيم نرى ما هو الضلال الحقيقي والغباء وسوء التدبر والتفكير “ الذين يستحبّون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدّون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد ” (آية 3)
وتتمايز الصور والأعمال والمآلات في سورة النازعات حيث نقرأ قول الحق سبحانه وتعالى: “ فأمّا من طغى، وآثر الحياة الدنيا، فإن الجحيم هي المأوى، وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى” (الآيات 37 41) ، وفي سورة الاحقاف “ ويوم يُعرض الذين كفروا على النارِ اذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ” (آية 20)
استمتعوا كما شئتم باللهو كما شئتم وخذوا من طيبات الدنيا ما شئتم فليس لكم في الآخرة إلا الجحيم وبئس المصير.. متاع قليل وبعده عذاب مقيم. فتدبر يا أخي حال الدنيا وتقلبها ومثلها الذي ضربه الله لنا، وما بيّنه لنا في كتابه عن حقيقتها وسننها، ولا يغرنك العاجل وينسيك الآجل الدائم، واقرأ آيات الله المذكورة وتدبرها مرات ومرات، وخذ من غيرك من الناس ومن القرى والأمم عبرة لك ولغيرك وتدبر ما جاء من ذكر ذلك كما في سورة الانعام “ ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وارسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وانشأنا من بعدهم قرنا آخرين ” (آية 6) ، وفي سورة الروم “ أوَلَمْ يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون” (آية 9)
فاعتبروا يا أولي الألباب.
م/ن
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته !!
~ لحياة الدّنيا .. سراب خادع !!
’’ واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماءٍ أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح، وكان الله على كل شيء مقتدرا ” (الكهف: 45).
تسقط الامطار فينمو الزرع وتخضر الأرض وتمتلئ بالحياة، وتتعدد ألوان الاوراق والازهار لفترة قصيرة، تموت بعدها كل تلك النباتات وتجف اوراقها وسيقانها وتتحطم وتصبح هشيما لا قيمة له ولا وزن ولا ارتباط بالأرض، فتأتي الرياح لتذروه في الهواء بعيدا تاركة الأرض جرداء خاوية على عروشها لا حياة فيها ولا أثر للحياة، بعد ان كانت عامرة مزدهرة تسر الناظرين.
نهاية حتمية
هكذا الحياة الدنيا، متاع قليل، وزينة فانية لا بقاء لها، ونبات الى فناء، وازدهار خادع لا استمرار له، وهذا هو مثلها الذي ضربه لنا الحق تبارك وتعالى في القرآن الكريم في أكثر من موضع، كما جاء في سورة الكهف في الآية المذكورة آنفا، وكما جاء في سورة يونس “ إنمّا مثل الحياة الدنيا كماءٍ انزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس، كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون ” (يونس:24).
فهل يتفكر الناس ويتدبرون هذا المثل المعبر ابلغ التعبير والذي يعاصرونه طوال حياتهم، حيث لا يبقى شيء ولا أحد على حال، ولكل بداية في الحياة الدنيا نهاية حتمية يحددها المولى عز وجل.
وتطالعنا الآية “21” من سورة الزمر بصورة أخرى قريبة من مدلولها ومعانيها حيث تقول الآية الكريمة “ ألَمْ تَرَ أن الله انزل من السماء ماءً فسلكه ينابيع في الأرض ثمّ يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثمّ يجعله حطاما ان في ذلك لذكرى لأولي الألباب ” .
هكذا خلق الله سبحانه الدنيا وجعلها مرحلة قصيرة من مراحل الوجود الانساني الذي بدأ بالتراب والماء وسينتهي بالخلود، إما في جنة وإما في نار .. وكل شيء هالك إلا وجه الله، وكل مخلوق له نهاية مهما طال عمره أو قصر، فالإنسان له عمر محدود لا يتعداه.. عشرات من السنين يأتيه بعدها الموت وقد يأتيه في أي مرحلة من مراحل عمره، في أي يوم أو في أي لحظة من حياته بأمر الله من دون سابق انذار، والجنس البشري كله له عمر على الأرض يفنى بعده بقيام الساعة، والأرض والشمس والقمر والكواب والنجوم كل منها له عمر وأجل محدود وإن امتد ملايين السنين، بل ان الكون كله له نهاية كما كانت له بداية ينتهي بعدها ولا يبقى منه شيء “ كل شيء هالك إلا وجهه ” (القصص: 88) ويقول سبحانه وتعالى “ يَوْمَ نطوي السماء كطي السجل للكتب، كما بدأنا أول خلق نعيده، وَعْداً علينا، إنا كنا فاعلين” (الانبياء: 104).
والحياة الدنيا لا بقاء لها ولو تفكر الانسان قليلا وتدبر ما يحدث أمام عينيه كما تبين الأمثال السابقة، لتعامل مع الدنيا على هذا الأساس ولنزعها من قلبه وجعلها طريقا لصلاح الآخرة ولم يجعلها غاية همه ولا نهاية طموحاته التي ستزول حتما بزوال الدنيا أو بزوال اعراضها أو بزواله هو نفسه من الدنيا.
دار التحديات
ورغم قصر الحياة الدنيا ومحدوديتها إلا أنها أهم مراحل الوجود الانساني، فهي دار التحديات، ودار العمل بلا حساب. اعمل أو لا تعمل فهذا هو منهج الله في الأرض وصراطه المستقيم.
لك الحرية وعليك الاختيار والعمل. آمن اذا شئت واكفر اذا شئت.
لا إكراه في الدين، ولكن اعلم جيدا ان كل ما تقوله وما تعمله مكتوب، ومسجل ومستنسخ وستراه يوم البعث أمام عينيك لتحاسب عليه بالحق والعدل، لقوله سبحانه وتعالى: “ اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ” (غافر: 17).
والدنيا مع ذلك، دار متاع ولهو ولعب وتكاثر بين الناس وتفاضل واستعلاء واستكبار وزينة.. دار شهوات وغرائز وفتن وتحديات لا تنتهي إلا بالموت.
وهي بعد ذلك لا تساوي عند الله جناح بعوضة ولا قيمة لها، وكما قيل فإن الله لم يجعل الدنيا ثوابا لمؤمن ولم يجعلها عقابا لكافر وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن الدنيا لو كانت تساوي عند الله جناح بعوضه لما رزق الكافر فيها شربه ماء.
وستنتهي الدنيا كما بدأت، وسيموت كل إنسان حتما “ إنك ميت وانهم ميتون ”،
لا استثناء من الموت لنبي مرسل أو لغيره من البشر، حتى لو عاش ألف سنة كما عاش نوح عليه السلام ثم مات.
فمن تنبه الى حقيقة الدنيا نزعها من قلبه، وعاش فيها ولم يجعلها تعيش فيه، ولما اغتر بها وجعلها شغله الشاغل، ولأخذ منها وأعطاها ما أمره الله به وجاءت به الرسل الكرام، حتى تكون له طريقا الى السعادة والخلود الأبدي في الجنة إن شاء الله.
لعب ولهو
وباستعراض آيات الكتاب الكريم التي تضرب لنا الأمثال للدنيا وتبين لنا حقيقتها، وبعد ما تعرضنا له من شرح سندرك حقيقة الدنيا وما فيها وبعض سننها التي اودعها فيها الخالق سبحانه وتعالى،
ففي سورة الانعام “ وما الحياة الدنيا إلا لعبٌ ولهوٌ، وللدار الآخرة خير للذين يتقون، أفلا تعقلون ” (آية 32) ، وفي سورة العنكبوت “ وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب، وإنّ الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ” (آية 64).
واستكمالا للمعنى وبيان فضل الآخرة “ قُلْ متاع الدنيا قليلٌ، والآخرة خير لمن اتقى، ولا تظلمون فتيلا ” (النساء:77) ، وفي سورة الجمعة “ واذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا اليها وتركوك قائما. قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين ” (آية 11).
وانظر وتدبر تلك الآية في سورة الحديد “ اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل غيث اعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان. وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور” (آية 20)
فهذا متاع الدنيا الزائل وصوره الزائفة، وهذا مقابله في الآخرة حيث يبدأ الحق تبارك وتعالى بذكر العذاب الشديد تنبيها للعقول الغافلة والقلوب النائمة المغلقة.
كما تقرر الآية الكريمة في سورة آل عمران “ زيّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ” (آية 14)
كلها متاع يزول، يغرّ ويلهي، ولكن لو تفكر الانسان في المآب والمآل لآثر ما عند الله من الخير الدائم ولكان من الفائزين.
الباقيات الصالحات
وتتوالى الآيات لتأكيد تلك المعاني في القلوب وحث الناس على طلب الآخرة، ففي سورة الاعراف “ الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا، فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون ” (آية 51)
ويأتي العرض لمتاع الدنيا بصورة مختلفة وتفصيل آخر في سورة التوبة في قوله تعالى: “ قل إن كان آباؤكم وابناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربّصوا حتى يأتي الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين ” (الآية 24)..
وقد قال عليه الصلاة والسلام: “ لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ور سوله أحبّ إليه مما سواهما”
من أهله وولده ونفسه وماله وأي شيء.
وقد وعى السلف الصالح تلك المعاني وعرفوا حقيقة الدنيا فعزفوا عن متاعها ولهوها، وآثروا الباقيات الصالحات من الاقوال والأعمال.
يقول الحسن البصري رحمه الله: لو كانت الدنيا ذهباً يفنى والآخرة خزفا يبقى، لآثرنا الخزف الذي يبقى على الذهب الذي يفنى، فما بالنا آثرنا خزفا يفنى “ يعني الدنيا ” على ذهب يبقى “ يعني الآخرة ”.
وتتوالى آيات الذكر الحكيم باستعراض مقارنات ما بين الحياة الدنيا، وما بين ما في الآخرة من نعيم لمن يشاء ويعمل له، ففي سورة الاسراء “ من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً ” (آية 19).
وفي سورة هود “ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نُوَفّ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يُبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون”
فالله سبحانه الرزاق لا يمنع الرزق عن أحد سواء كان مؤمناً أو كافراً بل يرزق الجميع وقد يقدر على المؤمن، ويوسع على غير المؤمن ابتلاء وفتنة.
الضلال الحقيقي
و في سورة ابراهيم نرى ما هو الضلال الحقيقي والغباء وسوء التدبر والتفكير “ الذين يستحبّون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدّون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد ” (آية 3)
وتتمايز الصور والأعمال والمآلات في سورة النازعات حيث نقرأ قول الحق سبحانه وتعالى: “ فأمّا من طغى، وآثر الحياة الدنيا، فإن الجحيم هي المأوى، وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى” (الآيات 37 41) ، وفي سورة الاحقاف “ ويوم يُعرض الذين كفروا على النارِ اذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ” (آية 20)
استمتعوا كما شئتم باللهو كما شئتم وخذوا من طيبات الدنيا ما شئتم فليس لكم في الآخرة إلا الجحيم وبئس المصير.. متاع قليل وبعده عذاب مقيم. فتدبر يا أخي حال الدنيا وتقلبها ومثلها الذي ضربه الله لنا، وما بيّنه لنا في كتابه عن حقيقتها وسننها، ولا يغرنك العاجل وينسيك الآجل الدائم، واقرأ آيات الله المذكورة وتدبرها مرات ومرات، وخذ من غيرك من الناس ومن القرى والأمم عبرة لك ولغيرك وتدبر ما جاء من ذكر ذلك كما في سورة الانعام “ ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وارسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وانشأنا من بعدهم قرنا آخرين ” (آية 6) ، وفي سورة الروم “ أوَلَمْ يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون” (آية 9)
فاعتبروا يا أولي الألباب.
م/ن